يُعتبر البرايس اكشن واحدًا من أهم مدارس التحليل الفني التي يعتمد عليها المتداولون في قراءة حركة السوق بدون استخدام المؤشرات التقليدية.
فمن خلال فهم سلوك السعر نفسه، يمكنك تحديد الاتجاهات، نقاط الانعكاس، ومناطق السيولة بدقة عالية.
في هذا المقال، سنشرح بأسلوب بسيط أهم مبدأين من مبادئ البرايس اكشن: الـ Market Structure (الهيكل السعري) والـ Liquidity (السيولة)، وكيف يجتمعان ليكوّنا رؤية عميقة للسوق تساعدك على التداول بثقة ووعي.
أولًا: ما هو البرايس اكشن ولماذا هو مهم؟
البرايس اكشن يعني ببساطة “سلوك السعر” أو الطريقة التي يتحرك بها السعر على الرسم البياني دون الاعتماد على مؤشرات أو أدوات خارجية.
هو الأساس الذي تُبنى عليه جميع أنواع التحليل الفني — لأن المؤشرات نفسها مأخوذة من السعر.
عندما تفهم ، ستبدأ في قراءة السوق كأنك “تقرأ كتابًا مفتوحًا”، سترى أين المشترون وأين البائعون، متى يحتمل أن ينعكس الاتجاه، ومتى يستمر.
الجميل في مدرسة البرايس اكشن أنها تناسب الجميع — سواء كنت تتداول بالتحليل الكلاسيكي أو الرقمي أو الزمني، فإن مبادئ البرايس اكشن تظل صالحة وتزيد من دقة قراءتك للسوق.
ثانيًا: الماركت ستراكشر – فهم الاتجاهات الحقيقية للسوق
أول مبدأ في البرايس اكشن هو Market Structure أو الهيكل السعري، وهو ببساطة الطريقة التي يتحرك بها السعر في اتجاه معين.
السوق لا يتحرك عشوائيًا، بل يتحرك ضمن ثلاثة أنماط رئيسية:
-
اتجاه صاعد (Uptrend)
عندما يصنع السعر قمم وقيعان صاعدة، أي أن كل قمة جديدة أعلى من السابقة، وكل قاع جديد أعلى من القاع السابق.
نسمي القمم العالية Higher Highs (HH) والقيعان العالية Higher Lows (HL).
هذا النمط يعكس وجود قوة شرائية تسيطر على السوق. -
اتجاه هابط (Downtrend)
عندما يصنع السعر قمم وقيعان هابطة، أي أن كل قمة جديدة أقل من السابقة، وكل قاع جديد أقل من القاع السابق.
هنا نتحدث عن Lower Highs (LH) وLower Lows (LL).
وهذا يعني أن البائعين هم المسيطرون على الحركة. -
حركة عرضية (Sideways)
عندما يتحرك السعر أفقيًا دون اتجاه واضح، لا توجد قمم أو قيعان متصاعدة أو متناقصة.
في هذه الحالة يكون السوق في حالة توازن مؤقت بين المشترين والبائعين — وغالبًا ما تسبق هذه المرحلة حركة قوية لاحقًا.
ثالثًا: العلاقة بين الموجات الصاعدة والتصحيحية
في أي اتجاه صاعد أو هابط، يتحرك السعر على شكل موجات.الموجة التي تسير في اتجاه الترند تُسمى Impulse Wave (موجة دافعة)، والموجة التي تصحح هذه الحركة تُسمى Correction Wave (موجة تصحيحية).
-
في الترند الصاعد: الموجة الدافعة تكون للأعلى، ثم يتبعها تصحيح هبوطي خفيف.
-
في الترند الهابط: الموجة الدافعة تكون للأسفل، ثم يتبعها تصحيح صعودي.
السوق الطبيعي يجب أن يتحرك بهذا الشكل المتوازن بين الصعود والتصحيح.
أما إذا ارتفع السعر بسرعة شديدة بدون أي تصحيحات، فهذه علامة خطر — قد تكون “فقاعة” (Bubble) سريعة يعقبها هبوط حاد أو انهيار (Crash).
السوق الصحي يشبه الإنسان الصحي: يحتاج إلى حركة متوازنة، صعود وهبوط، نشاط وراحة.
ولهذا يُسمى الترند الطبيعي Healthy Trend لأنه يتحرك بتوازن.
رابعًا: السيولة – السر الخفي وراء حركة السوق
المبدأ الثاني في البرايس اكشن هو Liquidity أو السيولة، وهي من أهم المفاهيم التي يجب أن يفهمها المتداول الذكي.
ما المقصود بالسيولة؟
عندما يفتح المتداولون صفقات في السوق، فإنهم يضعون أوامر وقف خسارة (Stop Loss) وأوامر شراء أو بيع معلقة (Buy/Sell Stops).
هذه الأوامر تتجمع في مناطق محددة على الرسم البياني، وتُشكل ما نسميه مناطق السيولة (Liquidity Zones).
غالبًا ما تتواجد هذه المناطق تحت القيعان وفوق القمم، لأن أغلب المتداولين يضعون أوامرهم هناك.
وبما أن المؤسسات الكبرى تعرف هذه الحقيقة، فهي تستغلها!
خامسًا: كيف تستخدم البرايس اكشن لتفهم التلاعبات في السوق
من أهم أسباب فشل المتداولين هو عدم فهمهم لما يحدث “خلف الكواليس” في حركة السعر. السوق لا يتحرك بشكل عشوائي كما يظن البعض، بل خلف كل حركة يوجد منطق: صانع سوق، مؤسسة مالية، أو مجموعة من المتداولين الكبار يخلقون ما يسمى بـ”التلاعب السعري” (Manipulation).
وهنا يأتي دور البرايس اكشن كأداة تكشف لك هذه التلاعبات. فعندما تتعلم قراءة السلوك السعري بعمق، ستبدأ في رؤية الأنماط التي تشير إلى أن هناك من يحاول إخراج المتداولين الصغار من السوق قبل الاتجاه الحقيقي.
كيف تكتشف التلاعب؟
-
الشموع الكاذبة (False Breakouts):
عندما يخترق السعر مستوى دعم أو مقاومة ثم يعود بسرعة داخله، فهذا غالبًا فخ للمضاربين الذين دخلوا بعد الاختراق.
صانع السوق يخلق حركة سريعة ليجذب السيولة، ثم يعكس الاتجاه ليأخذ أموال المتداولين المتسرعين. -
الشمعة ذات الذيل الطويل (Pin Bar):
ذيل طويل عند منطقة دعم أو مقاومة يعني رفض قوي للسعر.
مثلًا، إذا ظهرت شمعة بذيل علوي طويل عند مقاومة، فهي تخبرك أن السوق حاول الصعود، لكن البائعين تدخلوا بقوة وأعادوه للأسفل — هذه إشارة واضحة على أن المشترين تم خداعهم. -
منطقة التجميع (Accumulation) والتصريف (Distribution):
عندما يتحرك السعر أفقيًا لفترة طويلة، فغالبًا يتم فيه تجميع أو تصريف مراكز من قبل الكبار.
بعد هذا النطاق الجانبي، تأتي حركة قوية — وغالبًا عكس الاتجاه الذي كان يتوقعه أغلب المتداولين.
مثال عملي على التلاعب السعري:
تخيل أن سعر الذهب يتحرك حول منطقة مقاومة 1950 دولار.
الكثير من المتداولين يضعون أوامر بيع عند هذا المستوى، ظنًا أن السعر لن يخترقه.
فجأة، يخترق السعر 1950 ويصل إلى 1960، فيبدأ البائعون بإغلاق صفقاتهم، والمشترون الجدد يدخلون السوق ظنًا أن الاتجاه صاعد.
لكن بعد بضع ساعات، يعود السعر بقوة تحت 1950 ويهبط إلى 1920.
هنا حدث ما يسميه المحترفون “Fake Breakout” أو اختراق وهمي — حركة سريعة صممت خصيصًا لإخراج المتداولين من السوق قبل الاتجاه الحقيقي.
بهذا الشكل، عندما تستخدم البرايس اكشن بذكاء، لا تعود ترى الشموع فقط، بل ترى نية السوق، وتفهم متى تكون الحركة حقيقية ومتى تكون مجرد “خدعة” لجمع السيولة.
سادسًا: الجمع بين الـ Market Structure والسيولة
الاحتراف الحقيقي في البرايس اكشن لا يعني أن تنظر إلى شكل الشموع فقط، أو أن تعتمد على مبدأ واحد مثل الدعم والمقاومة، بل أن ترى الصورة الكاملة — كيف يتحرك السوق من حيث البنية (الهيكل السعري) وأين تتركز السيولة.
1. الهيكل السعري (Market Structure)
الهيكل السعري هو العمود الفقري لتحليل السوق.
يعبر عن الطريقة التي يتحرك بها السعر عبر قمم وقيعان متتابعة:
-
في الاتجاه الصاعد نرى Higher Highs (قمم أعلى) وHigher Lows (قيعان أعلى).
-
في الاتجاه الهابط نرى Lower Highs (قمم أدنى) وLower Lows (قيعان أدنى).
بمجرد أن تفهم هذا، يصبح من السهل أن تعرف أين أنت داخل الدورة السوقية — هل السوق في مرحلة توسع (اندفاع) أم تصحيح (تجميع)؟
2. مفهوم السيولة (Liquidity)
السيولة ببساطة هي أماكن تجمع الأوامر المعلقة — وقف الخسارة (Stop Loss) وأوامر الدخول.
وصنّاع السوق يعلمون ذلك جيدًا. لذلك، كثيرًا ما يتحرك السعر في اتجاه معين فقط لالتقاط تلك الأوامر قبل أن يعود إلى الاتجاه الأصلي.
مثلًا: أسفل كل قاع يوجد وقف خسارة لمتداولين اشتروا من قبل، وفوق كل قمة توجد أوامر بيع.
وهذا ما يجعل تلك المناطق نقاط جذب لحركة السعر.
3. الجمع بين الاثنين — سر الاحتراف الحقيقي
عندما تدمج بين الهيكل السعري والسيولة، تبدأ برؤية السوق بعيون صانع السوق نفسه.
مثلاً:
-
إذا كان الاتجاه العام صاعدًا (Higher Highs وHigher Lows)،
ووجدت منطقة سيولة أسفل أحد القيعان الأخيرة (Stops تمركزت تحتها)،
فغالبًا ما يقوم السعر بكسر القاع بشكل وهمي لجمع السيولة ثم يعاود الصعود.
هذه هي الفرصة المثالية للشراء، لأنك تشتري عندما يبيع الآخرون.
بالعكس، في الاتجاه الهابط، إذا وجدت سيولة فوق قمة سابقة، فغالبًا ما يصعد السعر قليلًا لالتقاطها قبل أن يستأنف الهبوط — وهي فرصة بيع مثالية.
مثال عملي:
افترض أن زوج EUR/USD في اتجاه صاعد، والسعر حاليًا عند 1.0950 بعد أن صنع قاعًا عند 1.0900.
تلاحظ أن هناك سيولة واضحة (Stops) تحت هذا القاع، أي أن الكثير من المشترين وضعوا أوامر وقف خسارة عنده.
ما يحدث عادة هو أن السوق ينزل قليلًا تحت 1.0900 ليصطاد تلك السيولة، ثم تظهر شمعة رفض قوية (Pin Bar) وتبدأ موجة صعود جديدة نحو 1.1000.
المتداول المحترف هنا لا يخاف من الكسر المؤقت، بل ينتظر شمعة الرفض عند منطقة السيولة، فيدخل في الاتجاه الأصلي بثقة، بعد أن تم امتصاص السيولة من السوق.
سابعًا: نصائح لتطبيق البرايس اكشن علي الشارت
فهم البرايس أكشن لا يعني أن تحفظ أشكال الشموع أو النماذج الكلاسيكية فقط، بل أن تقرأ السوق بعين صانع القرار. السوق ليس مجموعة خطوط ومستويات؛ إنه قصة تُروى على الرسم البياني — وكل شمعة فيها مشهد من هذه القصة. إليك أهم النصائح لتصبح قارئًا ذكيًا ومحللًا محترفًا للسلوك السعري:
1. لا تعتمد فقط على شكل الشموع — افهم القصة وراءها
الشمعة ليست مجرد شكل بصري، بل هي نتيجة معركة بين المشترين والبائعين.
عندما ترى شمعة ذات ذيل طويل مثلاً، لا تكتفِ بأنها “Pin Bar”، بل اسأل نفسك:
من الذي فاز في هذه المعركة؟ ولماذا رفض السعر هذا المستوى؟
كل ذيل طويل يخبرك أن هناك قوة دخلت السوق وغيرت الاتجاه، فحاول أن تفهم من الطرف الذي تحرك ولماذا.
2. اربط بين الاتجاه العام وحركة الموجات
لا تحلل الشموع بمعزل عن الاتجاه.
الشمعة الصاعدة داخل ترند هابط لا تعني بالضرورة بداية صعود، بل ربما تكون تصحيحًا مؤقتًا فقط.
لذلك، قبل أن تتخذ قرارك، انظر إلى الصورة الكاملة:
هل السوق يصنع قممًا وقيعانًا أعلى؟ أم أدنى؟
ربطك بين الشموع الصغيرة والموجات الكبرى هو ما يحول قراءتك من عشوائية إلى احترافية.
3. راقب مناطق السيولة دائمًا فوق القمم وتحت القيعان
السيولة هي “الوقود” الذي يحرك السوق.
عندما ترى قمة واضحة أو قاعًا واضحًا، فاعلم أن خلفه مجموعة من الأوامر المعلقة.
راقب هذه المناطق جيدًا، لأن السوق غالبًا يذهب إليها قبل أن يعكس الاتجاه.
بهذا الشكل، لن تكون ضحية لحركات الخداع، بل ستدخل بعد أن ينتهي صانع السوق من فخاخه.
4. لا تدخل الصفقة بعد اختراق وهمي — انتظر التأكيد
الكثير من الخسائر تأتي من التسرع.
مجرد أن ترى السعر يخترق مستوى دعم أو مقاومة لا يعني أن الاختراق حقيقي.
انتظر دائمًا تأكيد الحركة:
-
إغلاق شمعة قوية فوق المقاومة (في حالة الشراء).
-
أو إغلاق واضح تحت الدعم (في حالة البيع).
الإغلاق والتثبيت هما اللغة الحقيقية للسوق، لا الظلال ولا الاختراقات اللحظية.
5. درّب نفسك على قراءة البرايس اكشن على أطر زمنية مختلفة
كل إطار زمني يخبرك بجزء من القصة.
-
الإطار الكبير (اليومي أو الأسبوعي) يريك الاتجاه العام وصورة السوق الكبرى.
-
الإطار المتوسط (4 ساعات أو ساعة) يريك نقاط التصحيح والتجميع.
-
الإطار الصغير (15 دقيقة أو 5 دقائق) يعطيك نقطة الدخول المثالية.
الاحتراف يأتي عندما تستطيع دمج هذه الرؤى معًا: ترى الاتجاه من الأعلى، وتدخل من الأسفل بثقة.
خلاصة
النجاح في التداول لا يعتمد على كثرة المؤشرات، بل على فهم حركة السعر بعين المتداول الذكي.
عندما تتقن مبادئ البرايس اكشن — وخاصة الهيكل السعري والسيولة — ستصبح قراءتك للسوق أوضح، وستتجنب فخ التلاعبات التي تسقط فيها الأغلبية.
السوق ليس عدوك، لكنه يختبر وعيك.
افهم البرايس اكشن جيدًا، وستكتشف أن السعر يترك لك دائمًا إشارات واضحة — فقط تحتاج أن تراها بعين واعية.
