صناع السوق (Market Makers) هم كيانات مالية كبيرة تتحكم في توفير السيولة للأسواق. هدفهم الأساسي هو ضمان وجود مشترين وبائعين دائمًا. لكن في الواقع، هم لا يقدمون خدمة فقط، بل يستغلون سلوك الأغلبية (الحشود) لتحقيق أرباح ضخمة.
في كل مرة يتحرك فيها السوق بشكل مفاجئ، وتجد نفسك في الجهة الخاطئة من الصفقة، تتساءل: من الذي حرّك السوق بهذه الطريقة؟
الإجابة غالبًا ما تكون: صناع السوق.
لكن من هم هؤلاء؟ وكيف يعملون؟ ولماذا يتحرك السوق أحيانًا بعكس التحليل الفني والمنطقي؟
في هذه المقالة، سنكشف أسرار السوق، ونفك شفرات خدعهم، ونعلمك كيف تتصرف بذكاء بدلاً من أن تكون الضحية التالية.
من هم صناع السوق؟
صناع السوق (Market Makers) هم الجهات أو المؤسسات المالية الكبرى التي توفر السيولة في السوق، مثل البنوك الاستثمارية، وصناديق التحوط، وشركات الوساطة الضخمة.
دورهم الرئيسي هو تأمين تنفيذ الأوامر بسرعة من خلال الوقوف في الجانب الآخر من الصفقات. إذا أردت الشراء، هم من يبيع لك، وإذا أردت البيع، هم من يشتري منك.
لكن خلف هذا الدور النبيل – الظاهري – يكمن هدف أعمق: الربح من تحركات السوق، والتحكم في اتجاهاته على المدى القصير.
لماذا يتحرك السوق بعكس تحليلك؟
العديد من المتداولين يعتمدون على أنماط فنية أو مؤشرات معينة. وعندما تتطابق هذه الإشارات، يدخل الجميع الصفقة في نفس الوقت.
وهنا يظهر دور صناع السوق: يخلقون خدعًا سعرية تجعل الحشود تدخل ثم يتم تصفيتهم لاحقًا.
مثال:
-
تكون هناك مقاومة قوية، ويبدأ السعر في اختراقها. يدخل المتداولون في صفقات شراء.
-
فجأة، يعود السعر للهبوط بقوة، ويفعل أوامر الإيقاف (الستوب لوس) لتلك الصفقات.
-
بعد تصفية الجميع، يعيد السعر للاتجاه الصاعد الحقيقي.
هذه الحركة تُعرف بـ “فخ صناع السوق”.
خدعة (Bull Trap)(Bear Trap)
صناع السوق يستخدمون نوعين من الفخاخ النفسية:
1. Bull trap:
هي حركة صعود كاذبة توهم المتداولين أن السوق اخترق المقاومة أو انتهى من الهبوط.
يدخل الجميع شراءً… ثم يهوي السوق فجأة ويخسرون.
2. bear trap:
عكس الأولى، حيث يتم كسر دعم مهم، فيدخل الجميع في صفقات بيع.
لكن السعر يعود للصعود بسرعة ويضرب الستوبات.
هنا تكمن عبقرية صناع السوق: لا يحركون السوق فقط، بل يوجهون عواطف المتداولين: الطمع والخوف.
هل صناع السوق يغشون؟ أم أنك تفكر كالقطيع؟
من السهل اتهامهم السوق بأنهم يتلاعبون، ولكن الحقيقة المؤلمة هي أن:
المتداول العادي يفكر بطريقة متوقعة جدًا، ما يجعله فريسة سهلة.
صناع السوق لا يحتاجون لمعرفة تحليلك بالضبط، يكفيهم أن يفهموا كيف تفكر أنت والجمهور.
لذلك، هم لا “يغشون” بقدر ما “يستغلون سلوكك المتوقع”.
كيف تفكر كصانع سوق وليس كضحية؟
إذا أردت أن تنجو، بل وتربح، يجب أن تغير طريقة تفكيرك. إليك بعض الأسرار:
1. لا تدخل بعد الحركة:
إذا رأيت شمعة قوية صاعدة أو هابطة، توقف. اسأل نفسك: من دخل قبل هذه الشمعة؟ ومن يتم تصفيته الآن؟
2. افهم أين توجد أوامر الستوب:
صناع السوق يطاردون السيولة. أين توجد؟ فوق القمم أو تحت القيعان، حيث يضع الناس أوامرهم.
فكر دائمًا: “هل السعر يتحرك ليأخذ الستوبات؟ أم ليكمل الاتجاه؟”
3. راقب السلوك السعري (Price Action) لا المؤشرات فقط:
لا تعتمد فقط على RSI أو MACD. راقب كيف يتصرف السعر عند مستويات الدعم والمقاومة، وما إذا كانت هناك شموع خداعية (مثل شمعة بن بار، أو ابتلاع سعري كاذب).
4. لا تكن جزءًا من القطيع:
إذا شعرت أن الجميع متحمس للشراء، ربما يكون الوقت قد حان للبيع. وإذا كان الكل يائسًا ويبيع، ربما تكون تلك الفرصة للشراء.
صناع السوق والمثلثات السعرية:
من بين الأدوات التي يستخدمها المتداولون في التحليل الفني، يبرز نموذج المثلث السعري كواحد من أشهر النماذج الفنية، سواء كان مثلثًا متماثلًا، صاعدًا أو هابطًا.
لكن المشكلة أن هذا النموذج أيضًا هو ملعب مفضل لدى صناع السوق لتنفيذ خدعهم الكلاسيكية.
ففي اللحظات التي يترقب فيها المتداولون الكسر، يدخل صناع السوق إلى الساحة… ليس لتأكيد الاتجاه، بل لخلق الفوضى وتصفية أكبر عدد ممكن من المراكز.
كيف يفكر المتداول العادي داخل المثلث؟
المتداول العادي يرى المثلث كمنطقة انتظار. يتحرك السعر بين الضلعين، وكلما اقترب من نقطة التلاقي، يتوقع الجميع انفجارًا في السعر، وغالبًا ما يفترضون أن الكسر الحقيقي سيقود إلى اتجاه قوي.
لكن هنا يدخل العامل النفسي:
-
كل من في السوق يضع أوامر معلقة فوق المثلث وأسفله.
-
أو يجهزون أنفسهم لدخول صفقة بمجرد حصول الكسر.
صناع السوق يعرفون ذلك بدقة.
السيناريو النموذجي لخدعة صناع السوق في المثلثات
لنأخذ مثالًا على مثلث متماثل يتشكل بعد اتجاه صاعد:
-
السعر يبدأ في التقلص داخل المثلث، مما يولّد حالة من الترقب والتوتر.
-
فجأة، يقوم السوق بكسر كاذب لأعلى (وهو ما يسمى “فخ المشترين”).
يدخل عدد كبير من المتداولين في صفقات شراء. -
لكن السعر يعود فجأة إلى داخل المثلث، ثم يكسر لأسفل بقوة.
يُفعّل وقف الخسائر لكل من اشترى، ويدخل البائعون الآن بقوة. -
لكن المفاجأة: السعر يصعد من جديد ويبدأ الاتجاه الحقيقي بعد تصفية الجميع.
بهذه الطريقة، يكون صناع السوق قد:
-
جذبوا سيولة من المتداولين المتحمسين للكسر الأول.
-
فعلوا أوامر الإيقاف.
-
اشتروا بأفضل الأسعار بعد خروج الجميع.
-
دفعوا السوق في الاتجاه الحقيقي، بعد أن تخلّصوا من كل من يمكن أن يعكر صفقتهم.
لماذا ينجح صناع السوق دائمًا في هذا السيناريو؟
لأنهم يفهمون العقل الجمعي للسوق.
إنهم يعرفون أن:
-
الكل يرى المثلث ويتوقع الانفجار.
-
معظم المتداولين يعتمدون على أوامر معلقة عند الكسر.
-
الخوف والطمع يحركان الأفراد أكثر من المنطق.
صناع السوق ببساطة يستخدمون هذه التوقعات ضدهم.
كيف تحمي نفسك وتستفيد من الموقف؟
إذا أردت أن تتداول باحتراف داخل نموذج مثلث سعري، إليك بعض القواعد الذهبية:
1. لا تدخل مع أول كسر
احذر الكسر الأول، خاصة إذا جاء بحجم تداول منخفض أو بعد شموع ضعيفة.
غالبًا ما يكون هذا الكسر مجرد “طُعم” من صناع السوق لجذب السيولة.
2. راقب العودة للمثلث
إذا كسر السعر المثلث ثم عاد سريعًا إلى الداخل، فهذه إشارة قوية على أنه كسر كاذب.
هنا يمكنك التفكير في الدخول في الاتجاه المعاكس، ولكن بعد تأكيد.
3. لاحظ حجم التداول
غالبًا ما تكون كسرات صناع السوق مصحوبة بحجم تداول مفاجئ، ثم انخفاض سريع.
بينما تكون الكسرات الحقيقية مصحوبة بتدرج في الحجم وبناء منطقي للحركة.
4. استخدم الشموع
راقب شموع الابتلاع البيعي أو الشرائي، شموع البن بار، أو الشموع التي تحتوي على ذيول طويلة – فغالبًا ما تظهر هذه الشموع عندما يكون صناع السوق نشطين في خداع السوق.
وقد تكلمنا في مقالة مخصصة عن هذة الشمعه اذ
شاهد :
ما هي شمعة البن بار Pin Bar Candle
مثال واقعي: كيف تحرك الذهب داخل مثلث واصطادته المؤسسات؟
في منتصف عام 2023، تشكّل مثلث متماثل واضح على الذهب في الإطار الزمني 4 ساعات.
انتظر المتداولون كسرًا واضحًا لأعلى، ومع أول شمعة صاعدة قوية، دخل الآلاف في صفقات شراء.
لكن ما حدث بعد ذلك كان كالتالي:
-
عاد السعر إلى داخل المثلث.
-
كسر الدعم السفلي بعنف.
-
فعل ستوبات الجميع.
-
ثم صعد بقوة بأكثر من 300 نقطة خلال يومين فقط.
في هذا السيناريو، ترك صناع السوق الحشود تتقاتل، ثم أخذوا كل شيء عندما خلت الساحة.
الخلاصة: كيف تسبق صناع السوق بدلاً من أن تلاحقهم؟
السر ليس في أن تكون أذكى من صناع السوق – فهذا صعب – بل أن:
-
تفكر قبل أن تتصرف.
-
تراقب السلوك، لا فقط الأشكال.
-
تنتظر التأكيد بدلًا من رد الفعل.
إذا فهمت كيف يستغل صناع السوق المثلثات السعرية، ستبدأ في رؤية الأسواق بطريقة جديدة كليًا.
ولن تعود فريسة سهلة لمن يتحكمون بالسوق من وراء الكواليس.
في أي مراحل السوق يظهر تأثير صناع السوق؟
أكثر ظهورًا في الفترات التالية:
-
التحركات العرضية: حيث يتم التراكم أو التوزيع.
-
قبل الأخبار القوية: حيث يُصنع الفخاخ قبل الخبر الحقيقي.
-
في بداية جلسات التداول: خاصة في أسواق الفوركس أو الأسهم الأمريكية.
في هذه الفترات، يجب أن تكون أكثر حذرًا وذكاءً.
كيف تستخدم هذا سلوك لصالحك؟
إذا استطعت قراءة الفخاخ السعرية وفهمت أين يتم تصفية الجماهير، يمكنك الدخول في اللحظة المناسبة – مع صناع السوق، لا ضدهم.
نصيحة ذهبية:
لا تبحث عن الفرصة، بل ابحث عن الخدعة.
حين تتعلم اكتشاف الخدعة، تصبح كل حركة فرصة لك وليس فخًا لك.
خطوات عملية للتفكير كصانع سوق:
-
افهم “لماذا” قبل “متى”:
لا تدخل الصفقة فقط لأنها تبدو جيدة تقنيًا، بل اسأل: من سيخسر إذا ربحت أنا؟ هل هناك من يدفع السعر فعلاً أم أنها خدعة سيولة؟ -
راقب مناطق التكدّس السعري :
صانع السوق لا يدخل السوق فجأة، بل يبني مركزه تدريجيًا في مناطق التراكم، ويصفيه في مناطق التوزيع. المثلثات السعرية والقمم المزدوجة ليست فقط أنماطًا، بل أدوات للكشف عن نوايا السوق. -
استخدم التحليل السعري بدلًا من الاعتماد الكامل على المؤشرات:
فكر: هل كسر الدعم الحقيقي أم كسر وهمي؟ هل هذه شمعة “ابتلاع شرائي” حقيقية أم مجرد طُعم؟ -
انتظر الفريسة أن تأتي إليك:
لا تطارد الصفقة، بل اصنع منطقتك، وانتظر أن يأتي السوق إليك — كما يفعل صناع السوق تمامًا. -
التلاعب هو القاعدة وليس الاستثناء:
ضع في بالك أن الأسواق ليست دائمًا عادلة. يتم تصنيع الانهيارات والصعود القوي لجذب الانتباه، ثم يحدث العكس.
