في عالم الأسواق المالية، لا يكفي النظر إلى المؤشرات اليومية أو الأخبار العاجلة فقط، بل هناك أدوات وتحليلات تتجاوز اللحظة الحالية، لتغوص في عمق الزمن وتبحث عن الأنماط المتكررة التي شكلت تاريخ الأسواق على مدار قرون. في هذه المقالة، سنطرح سؤالًا جوهريًا بدأ يتردد بين أوساط المحللين والمستثمرين: هل عام 2026 سيشهد قمة تاريخية في السوق الأمريكي يليها انهيار قوي؟
دعونا نبدأ رحلة التحليل مع ثلاث أدوات زمنية شهيرة:
-
دورة الـ 100 سنة لويليام جان
-
نظرية موجات إليوت على المدى البعيد
خريطة صامويل بانر: توقعات القمم والانهيارات منذ 1875
منذ ما يقرب من 150 عامًا، قام المحلل الاقتصادي صامويل بانر برسم خريطة زمنية مبنية على دورات تتكرر في السوق الأمريكي، وضع فيها علامات زمنية لأحداث مستقبلية محتملة. تعتمد هذه الخريطة على ثلاث نقاط زمنية متكررة:
-
A (نقطة بانكس): قمم قوية في السوق.
-
B: قمم متوسطة القوة.
-
C: قيعان وفرص شراء ممتازة.
المدهش أن معظم تواريخ القمم والانهيارات الكبرى توافقت تقريبًا مع هذه الخريطة. على سبيل المثال:
-
1929: الكساد الكبير، بانخفاض قارب 90% في السوق.
-
1999: فقاعة الدوت كوم، وهبوط الناسداك بنسبة 83%.
-
2007: أزمة الرهن العقاري، بهبوط في مؤشر S&P500 بنسبة 58%.
-
2019: بداية جائحة كورونا وسقوط سريع ومفاجئ في الأسواق.
والآن، تُشير خريطة بانر إلى الفترة من 2026 إلى 2032 كمنطقة حمراء، من المتوقع أن تحدث فيها قمة قوية يليها تصحيح عنيف.
لكن، هل هذا التحليل وحده يكفي؟
دورة الـ100 سنة: عندما يعيد التاريخ نفسه
من بين أعمدة التحليل الزمني الكلاسيكي، برز ويليام جان بدوراته الزمنية المبهرة، التي لاحظ فيها تكرارًا عجيبًا للأحداث كل 100 عام تقريبًا. في أحد كتبه الروائية “Tunnel Thru the Air”، تطرق جان بشكل غير مباشر إلى فكرة تكرار الكوارث والأزمات كل قرن.
أمثلة تاريخية:
-
1720: الطاعون في فرنسا وفقاعة بحر الجنوب.
-
1820: الكوليرا في آسيا.
-
1920: الإنفلونزا الإسبانية.
-
2020: كوفيد-19.
لكن الأمور لا تقف عند الأحداث الصحية فقط. في الأسواق المالية:
-
أزمة 1825 المصرفية في بريطانيا.
-
الكساد الكبير في 1929.
-
فقاعة الدوت كوم وانهيارها في 2000.
-
فهل 2029 هي الأخرى مرشحة لتكرار التاريخ؟
إذا اعتبرنا أن قمة السوق كانت في 1929، فإن مرور 100 سنة يشير إلى أن 2029 قد تكون بداية دورة جديدة من التصحيح والانهيار.
نظرية موجات إليوت: الموجة الخامسة تقترب من نهايتها
يقدم المحلل “روبرت بريختر” رؤية بعيدة المدى باستخدام موجات إليوت. ووفقًا لتحليله:
-
نحن حاليًا في الموجة الخامسة الكبرى (Super Cycle) التي بدأت منذ القاع التاريخي في 1932.
-
هذه الموجة تتكون من خمس موجات داخلية، والموجة الخامسة الفرعية تقترب الآن من نهايتها.
-
بعد انتهاء الموجة الخامسة، يفترض أن السوق سيدخل في موجة تصحيحية كبيرة (A-B-C)، قد تعيد الأسعار إلى مستويات الموجة الرابعة السابقة، أي إلى مناطق الداو جونز عند 6000 نقطة!
في حال تحقق هذا السيناريو، فإن السوق الأمريكي قد يواجه هبوطًا عنيفًا يلامس مستويات لم نرها منذ أكثر من 15 عامًا.
هل السوق الأمريكي فعلاً بصدد الانهيار في 2026؟
رغم التوافق بين خريطة بانر، دورة جان، وتحليل إليوت، يجب التنويه أن هذه التحليلات ليست قوانين حتمية. بل هي أدوات استباقية تساعدك على فهم السياق الزمني الأوسع.
إليك بعض الملاحظات:
-
دقة التواريخ ليست مطلقة: عادة ما يكون هناك هامش خطأ يتراوح بين سنة إلى ثلاث سنوات.
-
الأحداث السياسية، الاقتصادية، والتكنولوجية يمكن أن تُسرّع أو تؤجل التحركات المتوقعة.
-
سلوك السوق يتغير مع الزمن: بفضل أدوات التيسير الكمي والتدخل الحكومي، أصبح من الصعب التنبؤ بحركات الأسواق بدقة مفرطة.
ومع ذلك، فإن توافق ثلاث مدارس تحليلية مختلفة على نقطة زمنية واحدة (2026–2029) هو أمر لا يمكن تجاهله بسهولة.
ماذا يعني هذا للمستثمر ؟
سواء كنت مستثمرًا طويل الأجل أو مضاربًا قصير الأجل، فإن إدراكك لدورات السوق يمنحك ميزة نفسية واستراتيجية مهمة. إليك بعض التوصيات العملية:
-
راقب المؤشرات الفنية بعناية، خاصة مع اقتراب عام 2026.
-
تابع الأخبار العالمية: قد تكون الأزمة القادمة ناتجة عن حدث جيوسياسي أو أزمة ديون عالمية.
-
راجع محفظتك الاستثمارية: ووازن بين الأصول ذات المخاطر المرتفعة والمستقرة.
-
كن مستعدًا نفسيًا: الانهيارات غالبًا ما تأتي فجأة، وتضرب بسرعة. لا تجعل العاطفة تتحكم في قراراتك.
-
حتفظ بالسيولة: الفرص الحقيقية لا تأتي في أوقات الصعود، بل تُخلق من قلب الأزمات.
بين مؤشرات صامويل بانر، دورات ويليام جان، وتحليل موجات إليوت، يبدو أن السوق الأمريكي يقف أمام مرحلة حرجة من تاريخه الممتد.
قد تكون 2026 بداية النهاية للصعود التاريخي الذي بدأ بعد أزمة 2008، وقد تمتد مرحلة التصحيح إلى 2029 أو أكثر، مما يُعيد تشكيل الأسواق العالمية.
هل ستكون مستعدًا؟
الزمن سيكشف كل شيء.
